بدأت التأثيرات الجانبية للإغلاق العام والعزل الاجتماعي الخاص بمواجهة وباء كورونا، تضرب عميقاً في المجتمع والسياسة على امتداد العالم، وإن كانت بوادر الانقسامات الحادة لم تظهر في جميع الدول الموبوءة، لكن مؤشرات ميدانية، في ثلاثة نماذج بثلاث قارات، باتت ترسم ملامح إعادة اصطفاف للأحزاب السياسية بحسب الموقف من الإجراءات الخاصة بـ«كورونا»، حيث بدت مطالب الصناعيين وأرباب السوق الأثرياء متوافقة مع دعوات الطبقات الفقيرة في إنهاء حالة العزل. ففي الولايات المتحدة، نزل المئات من أنصار ترامب إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الإغلاق وإعادة عجلة الإنتاج وذلك بعد يوم من تصريح مثير للجدل لترامب دعا فيه إلى «تحرير» المدن المغلقة بقرار من حكام الولايات. واللافت أن العديد من دعاة رفع العزل في أمريكا كانوا مسلحين وبعضهم اعتلى عربات تحمل أسلحة.
وتجمّع نحو 400 متظاهر، بعضهم راجل وبعضهم الآخر في سيارات، في البرد وتحت المطر في كونكورد عاصمة ولاية نيوهامبشر لتوجيه رسالة مفادها أن تمديد إجراءات الحجر غير ضروري. وضم الحشد محتجين مسلحين ومقنعين يرتدون بدلات شبيهة بالبدلات العسكرية، وآخرين يضعون قبعات تحمل شعاراً مؤيداً لترامب.
في تكساس تظاهر أكثر من 250 شخصاً أمام برلمان الولاية في أوستن، بينهم أليكس جونز اليميني المتطرف المؤيد لنظريات المؤامرة ومؤسس موقع «إنفو وورز»، وهو حضر في شاحنة شبيهة بآلية عسكرية. وفي ولاية أنابوليس، بقي المتظاهرون الذين تجمعوا أمام برلمان ماريلاند داخل سيارتهم رافعين لافتات كتب على بعضها «الفقر يقتل أيضاً». ووسط بحر من الأعلام الأمريكية هتف متظاهرون شعار ولاية نيوهامبشر من فترة حرب الاستقلال الأمريكية «العيش بحرية أو الموت».
وفي إيطاليا أيضاً، ظهرت خطوط انقسام أوضح بين القرارات الحكومية والمناطق الأكثر تضرراً.
وتشهد إيطاليا نقاشاً بشأن أولى الخطوات الحذرة للخروج من الإغلاق الشامل وترك نحو نصف القوى العاملة رهن مساعدات الحكومة. ولا يشكل الطقس المعتدل عاملاً داعماً لجهود الحكومة لإبقاء السكان في منازلهم لمواجهة الوباء. ويزداد عدد الغرامات المفروضة يومياً على من يمارسون أنشطة خارج منازلهم، بينما تقيم الشرطة حواجز على الطرق المؤدية إلى الشواطئ على الأطراف الغربية لروما.
ويتزايد الضغط على رئيس الوزراء جوزيبي كونتي من مسؤولين في شمال إيطاليا التي تعتبر قلبها الصناعي. وحذّر حاكما منطقتي لومبارديا ووفينيتو في ميلانو وفينيسيا على التوالي من أنهما قد يضطران قريباً لاستئناف الأعمال التجارية في خطوة أحادية. وقال حاكم فينيتو لوكا زايا: «إما أن نغلق كل شيء ونموت ونحن ننتظر انتهاء الفيروس، وإما أن نعيد فتح (الأعمال التجارية) ونعيش». وهناك مخاوف في أوساط مؤيدي الاتحاد الأوروبي من أن تؤدي الإجراءات عموماً إلى انتعاش اليمين المتشدد المعادي للوحدة الأوروبية.
ووضعت الداخلية أجهزة الشرطة في حالة تأهب خاصة في المناطق الفقيرة جنوب روما حيث يكلف العزل شهرياً ما يعادل 10 مليارات يورو كخسائر في الإنتاج، بحسب ما أفادت رابطة «سفيميز». وتزداد مشاعر الحنق هناك حيث لم ترفع إجراءات الإغلاق عن منطقة معروفة بنسب بطالتها المرتفعة رغم أنها لم تشهد سوى حالات قليلة مصابة بالفيروس.
وليست القارة الأفريقية ببعيدة عن تأثيرات مماثلة، وقالت الناشطة في منظمة خيرية، جواني فريديريكس: «السيد الرئيس، نحن نمر بأزمة غذائية. إنها الحرب هنا»، في جنوب إفريقيا التي يخضع سكانها للعزل وتشهد صدامات بين محتجين والشرطة وعمليات نهب في أحياء فقيرة يعاني سكانها من الجوع. ذكرت في تسجيل فيديو وضع على شبكات التواصل الاجتماعي أن «أشخاصاً قاموا بتخريب محلات تجارية وهاجموا الناس والسبب الوحيد هو أنهم جائعون».
ويبدو أن إجراءات العزل، تقوم بتوضيح خطوط طبقية كانت غامضة وملتبسة فيما سبق نتيجة الثورة التكنولوجية وتغير طبيعة الأعمال عن الشكل التقليدي الذي كان سائداً حتى تسعينيات القرن الماضي. ففي الأزمة الحالية على امتداد العالم، فإن الفئة الدنيا المعتمدة على الدخل اليومي، هي الأكثر تضرراً. وخسر العديد من سكان مدن الصفيح والأحياء العشوائية وظائفهم ومداخيلهم بين ليلة وضحاها. كما أن أرباب الشركات ومديري المصانع الكبرى أيضاً يضغطون بقوة لإعادة افتتاح دورة الإنتاج المعطلة ذلك أن الأرباح تتآكل بسرعة قياسية خلال فترة الإغلاق.