طرحت الكاتبة والفنانة التشكيلية صافيناز جمال، مجموعة قصصية بعنوان “طلب صداقة”، في معرض الكتاب بالقاهرة، وتحمل محاولة جادة لطرح سوق الكلمة الى منطقة أبعد عن تلك المكتظة، التي تدار فيها المعارك الأدبية المعتادة، منطقة أهم ما يميزها أنها رائقة تماما، لا تعرف المساومات الخفية التي يتم فيها تقديم الوجبات الإبداعية للقارئ كالري بالتقطير خاصة في الابداع النثري كالقصص والروايات.
فالكاتبة هنا تثمن مشاعر ووقت القارئ وكذلك رسالة الأدب وهي المتعة سواء علي المستوي الشعوري أو المستوي التحليل النقدي بتقديم تكنيك أدبي مميز غير نمطي.
تضم المجموعة القصصية “طلب صداقة”، مجموعة مؤلفة من ١٦ عمل، مابين القصص القصيرة وشديدة القصر، تتعرض لحالات شعورية مختلفة وكدرات إنسانية.
وتحاكي قصة طلب صداقة – التي تحمل المجموعة اسمها – مشاعر الجيل الذي شهد مرحلة ماقبل السوشيال ميديا، مروراً بتطور التكنولوجيا التي تسللت بألياتها الى مفردات الحياة حتي أن حب قديم عفت عنه سنوات من الفراق يمكنه أن يعود ليطرح نفسه من جديد فقط وببساطة من خلال طلب صداقة، وكذلك في قصة “علي بعد مترين” نري كيف عاش العالم دراما إنسانية مرهونة في المقام الأول بعالم السوشيال ميديا، الذي لم يعد عالم افتراضي أبرزت ذلك جائحة كورونا، فهو جزء من عالم حقيقي بما فيه من أكاذيب، فالواقع لا يخلو من مشاعر افتراضية أيضاً فوقت أن فرغت الشوارع من أي ظل بشري كان مجتمع السوشيال ميديا يشير إلى وجود حيوات مستغيثة خلف الحسابات الإلكترونية، تجدها في مشهد من الكوميديا السوداء، وكيف أن التفاف الناس حول بيان التاسعة لوزارة الصحة يعيد للأذهان التفاف الأسر حول مسلسل السابعة.
بينما تنقلك قصة “ملك” الى مشاعر إنسانية في خطوط شديدة التباين كتلك التي تراها علي شاشة رصد ضربات القلب، لتتأكد أنك علي قيد الحياة، بين ألم فراق وفرحة مولود جديد ثم لا شئ وتلك هي المفاجأة في “ملك”.
أما “قصة جدارية” فتخط أحداثها طفلة صغيرة في شكل حروف مرسومة علي جدار غرفتها، ثم تتكاثر هذه الخطوط بفضل اكتسابها لحروف جديدة، ثم كلمات تتشابك لتصنع وجه معبر عن رحلتها في بيت من أبوين يتوفيان، وفي المدرج الجامعي بعد أن أمكنها أن تحصد بجانب الأحرف شعور جديد يبقي السؤال هل يوجد متسع بتلك الجدارية يكفي لاستيعاب خطوط جديدة.
اما “فوبيا عكسية” فهي قصة شديدة القصر، تدور أحداثها في نطاق ضيق جدا من حيث الزمان والمكان لكنها ترتع في براح من الشعور بفوبيا عكسية، تجعل من صاحبها كقطب مغناطيسي يساق بفعل الإنجذاب والالتحام الشديدين لشئ بعينه، كحالة مقابلة لمفهوم الفوبيا المعروفة الذي دائما مايجبر صاحبه علي النفور والهرب.
وفي قصة “بيوت الرمل” ستتعرف على اشخاص، تتسبب كلمة أحدهم، في تحول قصور البطلة الى بيوت رملية، كتلك التي تهدمها الأمواج علي الشواطئ، دون أن تفرق مابين كثبان صنعتها صبية تلهو بالشاطئ، وبين قصور صنعت علي عين محب لتزين جبينه.
وفي قصة “رحيق بلا زهر” ستشم كل شئ وتتذوقه، ومع ذلك تقع في حيرة بسبب البحث عن الجزء المفقود منك دون أن تدري انه ربما يكون أنت.
وفي “زهر الكاميليا” لكل منا كلمة سر مفاتيح سعادة ومفاتيح ألم أية وإمارة، وان توافر النص كاملا تبقي بلاغة الحياة في قراءات هذه العلامات.
“باحة الظل” قصة بتقنية الواقعية السحرية، تحمل فرضية ماذا لو استيقظت، وقد قرر الكابوس الذي كان يصارعك فترة النوم أن يستيقظ معك؟!.
“وثني الامتنان” محاولة للتفاوض مع صوت ملحد لا لهدايته ولا لاقصاءه، ولكن لأخباره أني أمتن لكل من كف أذاه عني، أما من قدم إليّ معروفا فأنا أبني له تمثالاً بقلبي وأطوف به كلما تجلي صاحبه عليا فأنا وثني الإمتنان.
“مجرة قطن” وفيها تظل معشر النساء كعرائس القطن التي تصنعها الجدات، لا أثداء ولا بطن منتفخ حتي يأتي خراط البنات ليلا وهن نائمات، ولكن تظل احداهن مستيقظة لتباغته هي بعرض صفقة تعيد النساء اللي مجرة القطن!
اما “مقهى الصعايدة” فهي قصة توثق لمشاعر إنسانية لبعض أبناء متضرري زلزال ٩٢، مابين مشاعر أشبه بلبلاب يصعد علي جدار غير مبالي إن كان لمساكن متضرري الزلزال أو الحي الراقي وعادات إجتماعية مكتسبة وطبقية البشر حتي فيما بين أبناء الانقاض.
و”رسائل غير معنونة في صندوق بريد”، الرسائل غير المعنونة ليست فقط لحبيب يهجرك، فربما تكون لنفسك او حتي الى الله، وانت لا تعرف أي صندوق بريد يمكنه أن يخاطر السماء.
اما “مرواح” فقد كانت هذه الكلمة كتعويزة لفتح كنوز الراحة واللهو أيام الدراسة لجيل الثمانينات وماقبله، فهل يوجد مايمكنه أن يتخلي عنها بطيب خاطر ويقدم كل مرات المرواح كقربان لعودة من أدركه المرواح الأخير من أهله!